دور الحكمين في دعاوى الأحوال الشخصية
الأسرة نواة المجتمع, فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت انعكس ذلك على المجتمع بأسره
؛ وهذا ما دعا السلطات التشريعية في كل البلدان إلى الاهتمام بها وتنظيم أحوالها,
ومن ذلك وتحسبا لأي خلاف قد يظهر بين ركني الأسرة الأساسيين (الزوج والزوجة).
فقد نظم قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل هذا الأمر
وافرد له مواد مختلفة تحت أبواب عديدة, ومنها ما يتعلق بدور الحكمين في حسم النزاع
الناشئ بسبب الخلاف القائم بين الزوجين، إذ الزم النص في الفقرة (2) من المادة
(الحادية والأربعين) محكمة الموضوع بإجراء التحقيق في أسباب الخلاف بعد التأكد
من وجوده من خلال قيام الطرف الذي يطلب التفريق بإثباته، ثم تعين حكمين أحداهما
من أهل الزوجة والحكم الآخر من أهل الزوج (إن وجدا) للنظر في إصلاح ذات البين
, فإن تعذر وجودها كلفت المحكمة الزوجين بانتخاب حكمين. فإن لم يتفقا انتخبتهما المحكمة.
وهذا المبدأ مستمد من الشريعة الإسلامية السمحاء إذ جاء في نص الآية 34 من سورة النساء
( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا
إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). وهذا النظام لم يكن له سابقة إذ تفرد
به الإسلام والذي بموجبه نقل مسؤولية المحافظة على كيان الأسرة من
إطرافها إلى المجتمع, كما الزم هذا النظام الحاكم الشرعي وولي الأمر بدعوة
أهل الزوج وحكم آخر من أهل الزوجة لإصلاح ذات البين, ووقف المفسرون
والمجتهدون والفقهاء المسلمون كثيرا عند ذلك الأمر وأغنوه بحثا وتدقيقا وبينوا
الشروط التي يجب توافرها في الحكمين, حيث عدوا مبدأ المحكمين اقرب إلى
(محكمة الإصلاح العائلي), وناقشوا مركزهم القانوني بكونهم محكمين وليسوا
وكلاء مما يعني عدم جواز تحزب أي حكم إلى أي طرف وإنما لهم ان
يصدروا أمرا بالتفريق ان أذن لهم الزوج والزوجة بذلك وبخلافه لهم تفويض
الأمر إلى الحاكم الشرعي أو ولي الأمر. وأسهبوا كثيرا في هذا الأمر للدلالة
على أهميته في المحافظة على كيان الأسرة.
والداعي لمناقشة ذلك الأمر ما لاحظناه في تطبيقات المحاكم بهذا الشأن والاستخفاف
بأهميته, ففي دعاوى التفريق التي وصلت إلى نسب مؤثرة في المجتمع وخصوصا
تلك التي تقام بسبب الخلاف بين الزوجين على وفق أحكام المادة (الحادية والأربعين)
من قانون الأحوال الشخصية على وفق ما يلي:
1. حينما تجتهد المحكمة بتعيين الحكمين فإن طرفي الدعوى لا يهدفان بشكل جدي
لذلك الأمر بقدر ما يكون سعيهم إلى إكمال الشكلية التي يتطلبها النص التشريعي النافذ,
ففي بعض الأحيان لا يكلف الحكمان نفسيهما إلا قليلا من خلال الاتصال بكل طرف
ولدقائق معدودة على إحدى مصطبات المحكمة ودون البحث في أسباب الخلاف
أو التركيز على حله.
2. سعة النص تجاه تعيين الحكمين, وذلك لعدم قصره على أهل الزوجين بل تعدى
إمكانية تعيين الأغراب في هذه المهمة, وهؤلاء لا يملكون أدنى معرفة
بأحوال الزوجين المتخاصمين وظروفها العامة والشخصية, مما يؤثر سلبا في
ما سعى إليه النص النافذ, حيث يتعجل هؤلاء بتقديم تقريرهم بأقصر مدة زمنية
على حساب المحافظة على كيان الأسرة.
وهذه بعض من جملة أسباب في كثرة طلبات إصدار الأحكام بالتفريق والتي
تعني هدم كيان أسرة مما يرتب ظهور سلوكيات منحرفة لأبنائها.
ولغرض معالجة هذه المشكلة أرى ان الحل يكمن في الرجوع إلى نص
وروح القران الكريم, الذي يعالج اعتلالات النفس البشرية التي يعلم الله
كينونتها وسرها وعلانيتها,
والمتمثل في نص الآية (34) من سورة النساء المشار إليها سلفا,
وذلك من خلال تحديد وحصر شخص الحكمين بأهل وأقارب الزوجين
حصرا وعلى وفق التفصيلات التي اجتهد بها المفسرون والفقهاء المسلمون.
لكن قد يظهر تساؤل بشأن عدم إمكانية توفر الحكمين على وفق التوصيف أعلاه
نرى احتياطا للأمر ان يحصل تدخل شرعي يقضي بتعديل النص النافذ
من خلال اللجوء إلى حكمين من أهل وأقارب الزوجين فقط،
وفي حالة امتناع الطرفين بشكل صريح وواضح أمام محكمة الموضوع,
لها أن تنصب حكمان، على أن يكون هذان الحكمان أما من سكان المنطقة
التي يقع فيها سكن الزوجين أو يتم بواسطة الهيئات والمنظمات الجماهيرية
ولا باس ان يكون لرجل الدين في المسجد أو الجامع، الذي يقع ضمن حدود الرقعة
الجغرافية لسكنهم، دور أو إسهام في اختيار الحكمين وفي هذه الحالة سنكون اقرب
إلى العدالة عند التصدي لمثل تلك الدعاوى ولا يأخذنا هاجس الحسم السريع
على حساب إمكانية توفير الحماية لكيان الأسرة.
لذلك فان الحاجة تدعونا للتصدي الحقيقي والفعال لهذا الأمر
ومناقشته مناقشة مستفيضة على جميع المستويات بما في ذلك المنظمات
ومجلس النواب ومؤسسات المجتمع المدني وخصوصا المنظمات النسوية
لأخذ زمام المبادرة في معالجة الموضوع
الأسرة نواة المجتمع, فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت انعكس ذلك على المجتمع بأسره
؛ وهذا ما دعا السلطات التشريعية في كل البلدان إلى الاهتمام بها وتنظيم أحوالها,
ومن ذلك وتحسبا لأي خلاف قد يظهر بين ركني الأسرة الأساسيين (الزوج والزوجة).
فقد نظم قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل هذا الأمر
وافرد له مواد مختلفة تحت أبواب عديدة, ومنها ما يتعلق بدور الحكمين في حسم النزاع
الناشئ بسبب الخلاف القائم بين الزوجين، إذ الزم النص في الفقرة (2) من المادة
(الحادية والأربعين) محكمة الموضوع بإجراء التحقيق في أسباب الخلاف بعد التأكد
من وجوده من خلال قيام الطرف الذي يطلب التفريق بإثباته، ثم تعين حكمين أحداهما
من أهل الزوجة والحكم الآخر من أهل الزوج (إن وجدا) للنظر في إصلاح ذات البين
, فإن تعذر وجودها كلفت المحكمة الزوجين بانتخاب حكمين. فإن لم يتفقا انتخبتهما المحكمة.
وهذا المبدأ مستمد من الشريعة الإسلامية السمحاء إذ جاء في نص الآية 34 من سورة النساء
( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا
إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). وهذا النظام لم يكن له سابقة إذ تفرد
به الإسلام والذي بموجبه نقل مسؤولية المحافظة على كيان الأسرة من
إطرافها إلى المجتمع, كما الزم هذا النظام الحاكم الشرعي وولي الأمر بدعوة
أهل الزوج وحكم آخر من أهل الزوجة لإصلاح ذات البين, ووقف المفسرون
والمجتهدون والفقهاء المسلمون كثيرا عند ذلك الأمر وأغنوه بحثا وتدقيقا وبينوا
الشروط التي يجب توافرها في الحكمين, حيث عدوا مبدأ المحكمين اقرب إلى
(محكمة الإصلاح العائلي), وناقشوا مركزهم القانوني بكونهم محكمين وليسوا
وكلاء مما يعني عدم جواز تحزب أي حكم إلى أي طرف وإنما لهم ان
يصدروا أمرا بالتفريق ان أذن لهم الزوج والزوجة بذلك وبخلافه لهم تفويض
الأمر إلى الحاكم الشرعي أو ولي الأمر. وأسهبوا كثيرا في هذا الأمر للدلالة
على أهميته في المحافظة على كيان الأسرة.
والداعي لمناقشة ذلك الأمر ما لاحظناه في تطبيقات المحاكم بهذا الشأن والاستخفاف
بأهميته, ففي دعاوى التفريق التي وصلت إلى نسب مؤثرة في المجتمع وخصوصا
تلك التي تقام بسبب الخلاف بين الزوجين على وفق أحكام المادة (الحادية والأربعين)
من قانون الأحوال الشخصية على وفق ما يلي:
1. حينما تجتهد المحكمة بتعيين الحكمين فإن طرفي الدعوى لا يهدفان بشكل جدي
لذلك الأمر بقدر ما يكون سعيهم إلى إكمال الشكلية التي يتطلبها النص التشريعي النافذ,
ففي بعض الأحيان لا يكلف الحكمان نفسيهما إلا قليلا من خلال الاتصال بكل طرف
ولدقائق معدودة على إحدى مصطبات المحكمة ودون البحث في أسباب الخلاف
أو التركيز على حله.
2. سعة النص تجاه تعيين الحكمين, وذلك لعدم قصره على أهل الزوجين بل تعدى
إمكانية تعيين الأغراب في هذه المهمة, وهؤلاء لا يملكون أدنى معرفة
بأحوال الزوجين المتخاصمين وظروفها العامة والشخصية, مما يؤثر سلبا في
ما سعى إليه النص النافذ, حيث يتعجل هؤلاء بتقديم تقريرهم بأقصر مدة زمنية
على حساب المحافظة على كيان الأسرة.
وهذه بعض من جملة أسباب في كثرة طلبات إصدار الأحكام بالتفريق والتي
تعني هدم كيان أسرة مما يرتب ظهور سلوكيات منحرفة لأبنائها.
ولغرض معالجة هذه المشكلة أرى ان الحل يكمن في الرجوع إلى نص
وروح القران الكريم, الذي يعالج اعتلالات النفس البشرية التي يعلم الله
كينونتها وسرها وعلانيتها,
والمتمثل في نص الآية (34) من سورة النساء المشار إليها سلفا,
وذلك من خلال تحديد وحصر شخص الحكمين بأهل وأقارب الزوجين
حصرا وعلى وفق التفصيلات التي اجتهد بها المفسرون والفقهاء المسلمون.
لكن قد يظهر تساؤل بشأن عدم إمكانية توفر الحكمين على وفق التوصيف أعلاه
نرى احتياطا للأمر ان يحصل تدخل شرعي يقضي بتعديل النص النافذ
من خلال اللجوء إلى حكمين من أهل وأقارب الزوجين فقط،
وفي حالة امتناع الطرفين بشكل صريح وواضح أمام محكمة الموضوع,
لها أن تنصب حكمان، على أن يكون هذان الحكمان أما من سكان المنطقة
التي يقع فيها سكن الزوجين أو يتم بواسطة الهيئات والمنظمات الجماهيرية
ولا باس ان يكون لرجل الدين في المسجد أو الجامع، الذي يقع ضمن حدود الرقعة
الجغرافية لسكنهم، دور أو إسهام في اختيار الحكمين وفي هذه الحالة سنكون اقرب
إلى العدالة عند التصدي لمثل تلك الدعاوى ولا يأخذنا هاجس الحسم السريع
على حساب إمكانية توفير الحماية لكيان الأسرة.
لذلك فان الحاجة تدعونا للتصدي الحقيقي والفعال لهذا الأمر
ومناقشته مناقشة مستفيضة على جميع المستويات بما في ذلك المنظمات
ومجلس النواب ومؤسسات المجتمع المدني وخصوصا المنظمات النسوية
لأخذ زمام المبادرة في معالجة الموضوع
الأربعاء مايو 25, 2011 4:03 pm من طرف samii
» يصدرمرسومين لتنظيم الملكيات الزراعية ومخالفات
الأربعاء مايو 25, 2011 3:47 pm من طرف samii
» أهمية علم النفس والطب النفسي في القضاء
الجمعة يناير 14, 2011 8:07 am من طرف الشيماء
» طلب مساعدة
الخميس ديسمبر 23, 2010 6:05 pm من طرف د.أيمن
» هل يجوز اجراء الكشف والتحقيق المحلي من قبل القاضي العقاري في
الخميس يناير 14, 2010 11:41 pm من طرف sharinolo
» تجربة
السبت سبتمبر 19, 2009 8:00 pm من طرف السراب
» روابط الكتب في المكتبة القانونية
الثلاثاء يونيو 02, 2009 5:15 pm من طرف السراب
» دراسة في التاجر من الناحية القانونية
الإثنين مارس 23, 2009 5:50 am من طرف سيف العرب
» دراسة في الاثبات الجنائي
الإثنين مارس 23, 2009 5:41 am من طرف سيف العرب
» دراسة عن التحكيم في اطار المنظمة العالمية للملكية الفكرية
الإثنين مارس 23, 2009 5:28 am من طرف سيف العرب
» دراسة عن التعاقد بطريقة المراسلة
الإثنين مارس 23, 2009 5:14 am من طرف سيف العرب
» دراسة في الانواع الشائعة لعقود المعلوماتية
الإثنين مارس 23, 2009 5:09 am من طرف سيف العرب
» دراسة في التحكيم واهميته
الإثنين مارس 23, 2009 4:57 am من طرف سيف العرب
» الالتزامات المترتبة على البائع عند قيام عقد البيع
الإثنين مارس 23, 2009 4:50 am من طرف سيف العرب
» أسباب العنف والجرائم في تقرير الأمم المتحدة
الإثنين أبريل 28, 2008 3:19 am من طرف سيف العرب
» ظاهرة الادمان على المخدرات- علم اجرام - سورية
السبت أبريل 19, 2008 10:52 pm من طرف ابن سوريا
» الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتعديل قانون السير والمركبات2008
الخميس أبريل 17, 2008 11:23 pm من طرف سيف العرب
» قانون الشركات 2008
الخميس أبريل 17, 2008 10:52 pm من طرف سيف العرب
» قانون المنافسة ومنع الاحتكار
الخميس أبريل 17, 2008 10:31 pm من طرف سيف العرب
» القانون رقم 4 للعام 2008 الخاص بالتحكيم
الخميس أبريل 17, 2008 10:23 pm من طرف سيف العرب