الحقوق المالية المعنوية في الشريعة الاسلامية
الحقوق المالية المعنوية من القضايا المستجدة التي برزت بشكل واضح نتيجة تطور
الحياة المدنية و الاقتصادية و الثقافية و العلمية .. فكثرت الأمور المعنوية ذات
القيمة المالية التي بات موضوع اختصاص أصحابها و مدى سلطاتهم عليها محل بحث
ومناقشة.. وقد انتهت كثير من القوانين الوضعية على اختلاف بينها إلى تقرير هذا
الاختصاص و تحديد سلطات أصحابها عليها .. و قد أوجب ذلك ضرورات تشجيع النشاط
الإنساني المبدع بكل صوره و حماية مكتسباته ، ومنع صور التلاعب و التحايل و
الاستغلال لجهود الآخرين و أي إثراء غير مشروع على حسابهم و قد
درس فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثون هذا الموضوع ، وبينوا استيعاب قواعد الفقه
الإسلامي له ، و أوضحوا حرص الشريعة على حماية هذه الحقوق و تنظيم أوضاعها بما يكفل
تحقيق المصالح المشروعة و صيانة قواعد العدالة و حماية مسيرة التقدم الإنساني من كل
مظاهر الاستغلال و التلاعب.
و أعرض فيما يلي المقصود بالحقوق المعنوية ، ثم أبين موقف القوانين الوضعية منها ..
و بعد ذلك اعرض موقف الفقه الإسلامي منها مبيناً القواعد الشرعية التي تحميها و
تصونها و تنظم أمورها.
أولاً : المقصود بالحقوق المعنوية :-
يستعمل القانونيون اصطلاحات متعددة في وصف الاختصاصات التي تقوم الأشخاص على
الأشياء المعنوية ذات القيمة المالية بحيث يخوّلهم ذلك سلطات معينة عليها.. و بعض
الاصطلاحات شامل لأنواعها أو لكثير منها، وبعضها يطلق على نوع منها دون غيره ، و من
هذه الاصطلاحات : الحقوق المعنوية ، الحقوق الذهنية ، الحقوق الأدبية ، الحقوق
الفكرية ، حقوق الابتكار ، الملكية الأدبية و الفنية الصناعية ، الاسم التجاري ، حق
الاختراع ، حقوق التأليف.
و قد عرف القانونيون الحق المعنوي بأنه سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة فكره أو
خياله أو نشاطه كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق
المخترع في مخترعاته و حق التاجر في الاسم التجاري و العلامة التجارية و ثقة
العملاء. و الحق المعنوي نوع من أنواع الحق المالي، وهو الذي يمكن تقويمه بالمال
فهو يخول صاحبه قيمة مادية تقدر بالمال أو النقود و الحق في نظر فقهاء الشريعة :
اختصاص ثابت في الشرع يقتضي سلطة أو تكليفاً لله على عباده أو لشخص على غيره.
و يطلق فقهاء الشريعة لفظ الحقوق المالية على كل حق هو مال، أو المقصود منه المال،
مثل حق الملك ، وحق التملك و حق الانتفاع. لذا فإن قواعد الفقه الإسلامي تغطي هذا
النوع من الحقوق كما سنرى تفصيلاً فيما بعد.
و يتجه الأستاذ مصطفى الزرقا في كتابه المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه
الإسلامي إلى ترجيح تسمية هذا النوع من الحقوق بحقوق الابتكار ، لأن اسم الحقوق
الأدبية – أحد التسميات المشهورة لهذا النوع من الحقوق كما بين – ضيق لا يتلاءم مع
كثير من أفراد هذا النوع من كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية و الأدوات
الصناعية المبتكرة ، و عناوين المحال التجارية مما لا صلة له بالأدب و النتاج
الفكري ( أما اسم حق الابتكار فيشمل الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه ،
والصحفي في امتياز صحيفته ، و الفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة كما يشمل
الحقوق الصناعية و التجارية مما يسمونه اليوم بالملكية الصناعية كحق مخترع الآلة و
مبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة ، و مبتكر العنوان التجاري )
ثانياً : موقف القوانين الوضعية من هذه الحقوق:-
اتفق القانونيون على اعتبار الحقوق المعنوية من الحقوق المالية التي يقسمونها إلى
حقوق عينية و حقوق شخصية و لكنهم مختلفون بعد ذلك .. هل تعتبر هذه الحقوق من الحقوق
المالية العينية أم أنها حقوق مالية مستقلة بالإضافة إلى الحقوق العينية الشخصية ،
فذهب بعض القانونيون إلى أن الحقوق المالية تقسم إلى : حقوق عينية ، وحقوق شخصية ،
وحقوق معنوية ، فالحق المعنوي قسم للحق العيني و الحق الشخصي. و كان ذلك نتيجة أن
معنى الحق العيني عندهم عبارة عن سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شكل معين
. و هذا الشيء المعين لا بد أن يكون شيئاً مادياً متعيناً بذاته في الوجود الخارجي،
فتنصب سلطة صاحب الحق عليه مباشرة.
و لما ظهرت الحقوق المعنوية ، نتيجة لتطور الحياة ، وأقرتها القوانين العصرية
اعتبرها هؤلاء القانونيون نوعــــاً مستقلاً من أنواع الحقوق المالية لم تتصف به من
خصائص تميزها عن الحقوق العينية و الشخصية نتجت من كون محلها غير مادي. وذهب
قانونيون آخرون إلى أن الحق المعنوي لا يعتبر نوعاً من أنواع الحق المالي بالإضافة
إلى الحق العيني و الحق الشخصي إنما
هو حق من الحقوق العينية ، و إن الشيء الذي تنصب عليه السلطة في الحق العيني أعم من
أن يكون مادياً أو معنوياً.
ثم إن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم حول طبيعة هذا الحق المعنوي ، بعد أن قرروا أنه
عبارة عن حق عيني: فمنهم من اعتبر الحق المعنوي حق ملكية أو نوعاً خاصاً من الملكية
لذلك فهم يطلقون على هذا الحق تسمية : الملكية الأدبية و الفنية الصناعية. و منهم
من اعتبره حقاً عينيا أصلياً مستقلاً عن حق الملكية بمقوماته الخاصة.
و قد احتج المانعون أن يكونا الحق المعنوي حق ملكية ، بان حق الملكية ينصب على شيء
ويخول صاحبه سلطة استعمال الشيء و استغلاله و التصرف فيه ، و الاستعمال لا يتصور
بالنسبة للحق المعنوي ، لأن الاستفادة منه لا تكون إلا باستغلاله و التصرف فيه ،
فلا يمكن أن يستفاد منه إذا قصر صاحبه استعماله على نفسه ، فعنصر الاستعمال الذي هو
أقوى عناصر الملكية غير موجود في هذا الحق ، لذلك يسميه بعض القانونيون بأنه حق
احتكار الاستغلال ، وليس حق ملكية. كما أن حق الملكية حق مؤبد ، في حين أن هذا الحق
بطبيعته حق مؤقت .
و قد أجاب الآخرون عن هذه الحجج بأنها لا تمنع من أن يكون الحق المعنوي نوعاً خاصاً
من الملكية، وذلك أن الحق المعنوي يتفق مع الملكية العادية في نواحٍ ، ويختلف عنها
في أخرى فهو عبارة عن سلطة تنصب على الشيء المعنوي مباشرة دون و ساطة و تخوّل صاحبه
حق الاستغلال و التصرف في حين أنه بحكم طبيعته و هو كونه يقع على شيء غير مادي لا
يقبل الاستئثار ، ولا يصح أن يكون مؤبداً.
و قد كان القانون المدني المصري القديم سنة 1883 م يتضمن في المادة ( 12) منه : أن
الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته و حقوق الصانع في ملكية مصنوعاته
يكون حسب القانون الخاص بذلك .. مما يدل على أن القانون القديم يذهب إلى اعتبار هذه
الحقوق حقوق ملكية ، ولكن لم يصدر القانون الخاص الموعود حتى صدور القانون الجديد
سنة 1948م ، الـــذي أشـــار فـــي المادة ( 86) منه إلى أن تنظيم هذه الحقوق متروك
لقانون خاص يصدر به . لكنه لم يسمّ هذه الحقوق بالملكية ، كما فعل القانون السابق
بل سمّاها الحقوق التي ترد على شيء غير مادي مما يدل على أن القانون المصري لم يرد
الخوض في الخلاف حول طبيعة هذه الحقوق , و حسمه بشكل ما.
يقول الأستاذ عطا الله إسماعيل : ( ويتضح مما ذكر عن مختلف النظريات في شأن هذا
الحق أن جوهره ما زال موضع التقصي و البحث..) ثم يقول : ( وحسناً فعل المشرّع
المصري إذ لم يتقيد بنظرية بعينها فيما وضع من حلول لمختلف الفروض و المسائل التي
عرض لها في تقنية لحقوق التأليف ).
ثالثاً: موقف الفقه الإسلامي من الحقوق المعنوية :-
أمّا الأمر في الفقه الإسلامي فيختلف ذلك أن دائرة الملك في الشريعة أوسع منها في
القانون ، فلا تشترط الشريعة أن يكون محل الملك شيئاً مادياً معيناً بذاته في
الوجود الخارجي إنما هو كل ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع على الراجح من
أقوال الفقهاء و الذي معياره أن يكون له قيمة بين الناس ، و يباح الانتفاع به شرعاً
و هو ما تقرر وفق اصطلاح جمهور الفقهاء كما سنرى .
و على ذلك فمحل الحق المعنوي الذي سماه القانون بالشيء غير المادي ، داخل في مسمى
المال في الشريعة ، ذلك أن له قيمة بين الناس ، ويباح الانتفاع به شرعاً بحسب
طبيعته ، فإذا قام الاختصاص به تكون حقيقة الملك قد وجدت.
كما أن الاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي ، ليس معناه احتواء الشيء من
قبل المالك إنما معناه أن يختص به دون غيره .. فلا يعترضه في التصرف فيه أحد و
التصرف يكون في الأشياء حسب طبيعتها ، لذلك يختلف مدى التصرف في أنواع الملك
الشرعية من نوع إلى آخر .
و الشريعة أيضا لا تشترط معنى التأبيد لتحقيق معنى الملك .. بل إن طبيعة ملك
المنفعة مثلاً ، تقتضي أن يكون مؤقتاً .. كما في منفعة ملك العين المستأجرة ، وملك
منفعة العين الموصى بمنفعتها دون رقبتها.
فإذا كان لا بد أن يتأقت الحق المعنوي بمدّة معينة بحجة أن صاحب الحق المعنوي قد
استفاد من جهد غيره ، فهو ليس جهداً خالصا له كما أن جهده ضروري لتقدم البشرية
ورقيها ، و مقتضى ذلك أن لا يكون حقه حقاً مؤبداً .. فإن هذا التأقيت لا يخرجه من
دائرة الملك في الشريعة.
و يبدوا أن هذه الحقوق لم تقم في المجتمع الإسلامي رغم نشاط حركة التأليف. – مثلاً
– فيه من ا لقديم لأن الإسلام يدعوا إلى ما فيه نفع للأمة ، بل إن ما لا تستغني عنه
الأمة يعتبر من فروض الكفاية التي تأثم الأمة جميعها بتركها ، كما أن العلم و خاصة
العلم الشرعي لا يحل كتمه .. فالتأليف مثلاً كان عبارة عن شعور بالواجب و رغبة في
الثواب و الأجر بل كان المؤلف يحرص على نشره بكافة الطرق ، لأن في ذلك مزيداً من
الأجر و الثواب و عليه لم تبرز فكرة استحقاق الشخص لما ينتجه من أشياء غير مادية و
إن كانوا حريصين على نسبة الآراء إلى أصحابها.
ولكن إذا انصرف الناس عن إنتاج ما هو نافع من الأشياء غير المادية، و أخذ بعض الناس
يستغلون ما ينتجه غيرهم من هذه الأمور .. ما يؤدي على الإضرار بهم و من ثم امتناعهم
عن إنتاج و نشر مثل هذه الأمور، فإنه يمكن أن توضع القواعد التي تكفل تنظيم هذا
الأمر بالشكل الذي تتحقق به مصلحة الأمة.
و لما كانت الأشياء غير المادية تدخل في مسمى المال في الشريعة ، لأن لها قيمة بين
الناس و مباح الانتفاع بها شرعا و قد قام الاختصاص بها فعلى هذا الأساس يمكن أن
تنظم باعتبارها نوعاً من أنواع الملك. و قد اهتم بعض القانونيون بالحقوق المعنوية
في الشريعة و حاولا تلمس أسس حمايتها و تنظيمها فيها .. يقول الدكتور محمد صادق
فهمي : ( و نعتقد أن الروح التي تهيمن على التشريع الإسلامي تأبى إلا أن تعترف
بحقوق المؤلفين ، لأن التشريع يأبى على الشخص أن يضر بغيره، كما اغتيال عمل مؤلف إن
هو إلا سلوك إجرامي تأباه الشريعة الإسلامية ، و في قول الرسول صلى الله عليه وسلم
( لا ضرر ولا ضرار ) ما يكفي لحماية حقوق المؤلفين.
و أوضح أن فيما عرضناه بياناً شافياً للأسس التي يمكن أن نعتمد عليها بسهولة لحماية
هذه الحقوق و تنظيمها. و لنزيد هذا الأمر إيضاحاً لا بد من التعريف بإيجاز بحقيقة
كل من المال و الملك في الفقه الإسلامي
1
الحقوق المالية المعنوية من القضايا المستجدة التي برزت بشكل واضح نتيجة تطور
الحياة المدنية و الاقتصادية و الثقافية و العلمية .. فكثرت الأمور المعنوية ذات
القيمة المالية التي بات موضوع اختصاص أصحابها و مدى سلطاتهم عليها محل بحث
ومناقشة.. وقد انتهت كثير من القوانين الوضعية على اختلاف بينها إلى تقرير هذا
الاختصاص و تحديد سلطات أصحابها عليها .. و قد أوجب ذلك ضرورات تشجيع النشاط
الإنساني المبدع بكل صوره و حماية مكتسباته ، ومنع صور التلاعب و التحايل و
الاستغلال لجهود الآخرين و أي إثراء غير مشروع على حسابهم و قد
درس فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثون هذا الموضوع ، وبينوا استيعاب قواعد الفقه
الإسلامي له ، و أوضحوا حرص الشريعة على حماية هذه الحقوق و تنظيم أوضاعها بما يكفل
تحقيق المصالح المشروعة و صيانة قواعد العدالة و حماية مسيرة التقدم الإنساني من كل
مظاهر الاستغلال و التلاعب.
و أعرض فيما يلي المقصود بالحقوق المعنوية ، ثم أبين موقف القوانين الوضعية منها ..
و بعد ذلك اعرض موقف الفقه الإسلامي منها مبيناً القواعد الشرعية التي تحميها و
تصونها و تنظم أمورها.
أولاً : المقصود بالحقوق المعنوية :-
يستعمل القانونيون اصطلاحات متعددة في وصف الاختصاصات التي تقوم الأشخاص على
الأشياء المعنوية ذات القيمة المالية بحيث يخوّلهم ذلك سلطات معينة عليها.. و بعض
الاصطلاحات شامل لأنواعها أو لكثير منها، وبعضها يطلق على نوع منها دون غيره ، و من
هذه الاصطلاحات : الحقوق المعنوية ، الحقوق الذهنية ، الحقوق الأدبية ، الحقوق
الفكرية ، حقوق الابتكار ، الملكية الأدبية و الفنية الصناعية ، الاسم التجاري ، حق
الاختراع ، حقوق التأليف.
و قد عرف القانونيون الحق المعنوي بأنه سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة فكره أو
خياله أو نشاطه كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق
المخترع في مخترعاته و حق التاجر في الاسم التجاري و العلامة التجارية و ثقة
العملاء. و الحق المعنوي نوع من أنواع الحق المالي، وهو الذي يمكن تقويمه بالمال
فهو يخول صاحبه قيمة مادية تقدر بالمال أو النقود و الحق في نظر فقهاء الشريعة :
اختصاص ثابت في الشرع يقتضي سلطة أو تكليفاً لله على عباده أو لشخص على غيره.
و يطلق فقهاء الشريعة لفظ الحقوق المالية على كل حق هو مال، أو المقصود منه المال،
مثل حق الملك ، وحق التملك و حق الانتفاع. لذا فإن قواعد الفقه الإسلامي تغطي هذا
النوع من الحقوق كما سنرى تفصيلاً فيما بعد.
و يتجه الأستاذ مصطفى الزرقا في كتابه المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه
الإسلامي إلى ترجيح تسمية هذا النوع من الحقوق بحقوق الابتكار ، لأن اسم الحقوق
الأدبية – أحد التسميات المشهورة لهذا النوع من الحقوق كما بين – ضيق لا يتلاءم مع
كثير من أفراد هذا النوع من كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية و الأدوات
الصناعية المبتكرة ، و عناوين المحال التجارية مما لا صلة له بالأدب و النتاج
الفكري ( أما اسم حق الابتكار فيشمل الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه ،
والصحفي في امتياز صحيفته ، و الفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة كما يشمل
الحقوق الصناعية و التجارية مما يسمونه اليوم بالملكية الصناعية كحق مخترع الآلة و
مبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة ، و مبتكر العنوان التجاري )
ثانياً : موقف القوانين الوضعية من هذه الحقوق:-
اتفق القانونيون على اعتبار الحقوق المعنوية من الحقوق المالية التي يقسمونها إلى
حقوق عينية و حقوق شخصية و لكنهم مختلفون بعد ذلك .. هل تعتبر هذه الحقوق من الحقوق
المالية العينية أم أنها حقوق مالية مستقلة بالإضافة إلى الحقوق العينية الشخصية ،
فذهب بعض القانونيون إلى أن الحقوق المالية تقسم إلى : حقوق عينية ، وحقوق شخصية ،
وحقوق معنوية ، فالحق المعنوي قسم للحق العيني و الحق الشخصي. و كان ذلك نتيجة أن
معنى الحق العيني عندهم عبارة عن سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شكل معين
. و هذا الشيء المعين لا بد أن يكون شيئاً مادياً متعيناً بذاته في الوجود الخارجي،
فتنصب سلطة صاحب الحق عليه مباشرة.
و لما ظهرت الحقوق المعنوية ، نتيجة لتطور الحياة ، وأقرتها القوانين العصرية
اعتبرها هؤلاء القانونيون نوعــــاً مستقلاً من أنواع الحقوق المالية لم تتصف به من
خصائص تميزها عن الحقوق العينية و الشخصية نتجت من كون محلها غير مادي. وذهب
قانونيون آخرون إلى أن الحق المعنوي لا يعتبر نوعاً من أنواع الحق المالي بالإضافة
إلى الحق العيني و الحق الشخصي إنما
هو حق من الحقوق العينية ، و إن الشيء الذي تنصب عليه السلطة في الحق العيني أعم من
أن يكون مادياً أو معنوياً.
ثم إن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم حول طبيعة هذا الحق المعنوي ، بعد أن قرروا أنه
عبارة عن حق عيني: فمنهم من اعتبر الحق المعنوي حق ملكية أو نوعاً خاصاً من الملكية
لذلك فهم يطلقون على هذا الحق تسمية : الملكية الأدبية و الفنية الصناعية. و منهم
من اعتبره حقاً عينيا أصلياً مستقلاً عن حق الملكية بمقوماته الخاصة.
و قد احتج المانعون أن يكونا الحق المعنوي حق ملكية ، بان حق الملكية ينصب على شيء
ويخول صاحبه سلطة استعمال الشيء و استغلاله و التصرف فيه ، و الاستعمال لا يتصور
بالنسبة للحق المعنوي ، لأن الاستفادة منه لا تكون إلا باستغلاله و التصرف فيه ،
فلا يمكن أن يستفاد منه إذا قصر صاحبه استعماله على نفسه ، فعنصر الاستعمال الذي هو
أقوى عناصر الملكية غير موجود في هذا الحق ، لذلك يسميه بعض القانونيون بأنه حق
احتكار الاستغلال ، وليس حق ملكية. كما أن حق الملكية حق مؤبد ، في حين أن هذا الحق
بطبيعته حق مؤقت .
و قد أجاب الآخرون عن هذه الحجج بأنها لا تمنع من أن يكون الحق المعنوي نوعاً خاصاً
من الملكية، وذلك أن الحق المعنوي يتفق مع الملكية العادية في نواحٍ ، ويختلف عنها
في أخرى فهو عبارة عن سلطة تنصب على الشيء المعنوي مباشرة دون و ساطة و تخوّل صاحبه
حق الاستغلال و التصرف في حين أنه بحكم طبيعته و هو كونه يقع على شيء غير مادي لا
يقبل الاستئثار ، ولا يصح أن يكون مؤبداً.
و قد كان القانون المدني المصري القديم سنة 1883 م يتضمن في المادة ( 12) منه : أن
الحكم فيما يتعلق بحقوق المؤلف في ملكية مؤلفاته و حقوق الصانع في ملكية مصنوعاته
يكون حسب القانون الخاص بذلك .. مما يدل على أن القانون القديم يذهب إلى اعتبار هذه
الحقوق حقوق ملكية ، ولكن لم يصدر القانون الخاص الموعود حتى صدور القانون الجديد
سنة 1948م ، الـــذي أشـــار فـــي المادة ( 86) منه إلى أن تنظيم هذه الحقوق متروك
لقانون خاص يصدر به . لكنه لم يسمّ هذه الحقوق بالملكية ، كما فعل القانون السابق
بل سمّاها الحقوق التي ترد على شيء غير مادي مما يدل على أن القانون المصري لم يرد
الخوض في الخلاف حول طبيعة هذه الحقوق , و حسمه بشكل ما.
يقول الأستاذ عطا الله إسماعيل : ( ويتضح مما ذكر عن مختلف النظريات في شأن هذا
الحق أن جوهره ما زال موضع التقصي و البحث..) ثم يقول : ( وحسناً فعل المشرّع
المصري إذ لم يتقيد بنظرية بعينها فيما وضع من حلول لمختلف الفروض و المسائل التي
عرض لها في تقنية لحقوق التأليف ).
ثالثاً: موقف الفقه الإسلامي من الحقوق المعنوية :-
أمّا الأمر في الفقه الإسلامي فيختلف ذلك أن دائرة الملك في الشريعة أوسع منها في
القانون ، فلا تشترط الشريعة أن يكون محل الملك شيئاً مادياً معيناً بذاته في
الوجود الخارجي إنما هو كل ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع على الراجح من
أقوال الفقهاء و الذي معياره أن يكون له قيمة بين الناس ، و يباح الانتفاع به شرعاً
و هو ما تقرر وفق اصطلاح جمهور الفقهاء كما سنرى .
و على ذلك فمحل الحق المعنوي الذي سماه القانون بالشيء غير المادي ، داخل في مسمى
المال في الشريعة ، ذلك أن له قيمة بين الناس ، ويباح الانتفاع به شرعاً بحسب
طبيعته ، فإذا قام الاختصاص به تكون حقيقة الملك قد وجدت.
كما أن الاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي ، ليس معناه احتواء الشيء من
قبل المالك إنما معناه أن يختص به دون غيره .. فلا يعترضه في التصرف فيه أحد و
التصرف يكون في الأشياء حسب طبيعتها ، لذلك يختلف مدى التصرف في أنواع الملك
الشرعية من نوع إلى آخر .
و الشريعة أيضا لا تشترط معنى التأبيد لتحقيق معنى الملك .. بل إن طبيعة ملك
المنفعة مثلاً ، تقتضي أن يكون مؤقتاً .. كما في منفعة ملك العين المستأجرة ، وملك
منفعة العين الموصى بمنفعتها دون رقبتها.
فإذا كان لا بد أن يتأقت الحق المعنوي بمدّة معينة بحجة أن صاحب الحق المعنوي قد
استفاد من جهد غيره ، فهو ليس جهداً خالصا له كما أن جهده ضروري لتقدم البشرية
ورقيها ، و مقتضى ذلك أن لا يكون حقه حقاً مؤبداً .. فإن هذا التأقيت لا يخرجه من
دائرة الملك في الشريعة.
و يبدوا أن هذه الحقوق لم تقم في المجتمع الإسلامي رغم نشاط حركة التأليف. – مثلاً
– فيه من ا لقديم لأن الإسلام يدعوا إلى ما فيه نفع للأمة ، بل إن ما لا تستغني عنه
الأمة يعتبر من فروض الكفاية التي تأثم الأمة جميعها بتركها ، كما أن العلم و خاصة
العلم الشرعي لا يحل كتمه .. فالتأليف مثلاً كان عبارة عن شعور بالواجب و رغبة في
الثواب و الأجر بل كان المؤلف يحرص على نشره بكافة الطرق ، لأن في ذلك مزيداً من
الأجر و الثواب و عليه لم تبرز فكرة استحقاق الشخص لما ينتجه من أشياء غير مادية و
إن كانوا حريصين على نسبة الآراء إلى أصحابها.
ولكن إذا انصرف الناس عن إنتاج ما هو نافع من الأشياء غير المادية، و أخذ بعض الناس
يستغلون ما ينتجه غيرهم من هذه الأمور .. ما يؤدي على الإضرار بهم و من ثم امتناعهم
عن إنتاج و نشر مثل هذه الأمور، فإنه يمكن أن توضع القواعد التي تكفل تنظيم هذا
الأمر بالشكل الذي تتحقق به مصلحة الأمة.
و لما كانت الأشياء غير المادية تدخل في مسمى المال في الشريعة ، لأن لها قيمة بين
الناس و مباح الانتفاع بها شرعا و قد قام الاختصاص بها فعلى هذا الأساس يمكن أن
تنظم باعتبارها نوعاً من أنواع الملك. و قد اهتم بعض القانونيون بالحقوق المعنوية
في الشريعة و حاولا تلمس أسس حمايتها و تنظيمها فيها .. يقول الدكتور محمد صادق
فهمي : ( و نعتقد أن الروح التي تهيمن على التشريع الإسلامي تأبى إلا أن تعترف
بحقوق المؤلفين ، لأن التشريع يأبى على الشخص أن يضر بغيره، كما اغتيال عمل مؤلف إن
هو إلا سلوك إجرامي تأباه الشريعة الإسلامية ، و في قول الرسول صلى الله عليه وسلم
( لا ضرر ولا ضرار ) ما يكفي لحماية حقوق المؤلفين.
و أوضح أن فيما عرضناه بياناً شافياً للأسس التي يمكن أن نعتمد عليها بسهولة لحماية
هذه الحقوق و تنظيمها. و لنزيد هذا الأمر إيضاحاً لا بد من التعريف بإيجاز بحقيقة
كل من المال و الملك في الفقه الإسلامي
1
الأربعاء مايو 25, 2011 4:03 pm من طرف samii
» يصدرمرسومين لتنظيم الملكيات الزراعية ومخالفات
الأربعاء مايو 25, 2011 3:47 pm من طرف samii
» أهمية علم النفس والطب النفسي في القضاء
الجمعة يناير 14, 2011 8:07 am من طرف الشيماء
» طلب مساعدة
الخميس ديسمبر 23, 2010 6:05 pm من طرف د.أيمن
» هل يجوز اجراء الكشف والتحقيق المحلي من قبل القاضي العقاري في
الخميس يناير 14, 2010 11:41 pm من طرف sharinolo
» تجربة
السبت سبتمبر 19, 2009 8:00 pm من طرف السراب
» روابط الكتب في المكتبة القانونية
الثلاثاء يونيو 02, 2009 5:15 pm من طرف السراب
» دراسة في التاجر من الناحية القانونية
الإثنين مارس 23, 2009 5:50 am من طرف سيف العرب
» دراسة في الاثبات الجنائي
الإثنين مارس 23, 2009 5:41 am من طرف سيف العرب
» دراسة عن التحكيم في اطار المنظمة العالمية للملكية الفكرية
الإثنين مارس 23, 2009 5:28 am من طرف سيف العرب
» دراسة عن التعاقد بطريقة المراسلة
الإثنين مارس 23, 2009 5:14 am من طرف سيف العرب
» دراسة في الانواع الشائعة لعقود المعلوماتية
الإثنين مارس 23, 2009 5:09 am من طرف سيف العرب
» دراسة في التحكيم واهميته
الإثنين مارس 23, 2009 4:57 am من طرف سيف العرب
» الالتزامات المترتبة على البائع عند قيام عقد البيع
الإثنين مارس 23, 2009 4:50 am من طرف سيف العرب
» أسباب العنف والجرائم في تقرير الأمم المتحدة
الإثنين أبريل 28, 2008 3:19 am من طرف سيف العرب
» ظاهرة الادمان على المخدرات- علم اجرام - سورية
السبت أبريل 19, 2008 10:52 pm من طرف ابن سوريا
» الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتعديل قانون السير والمركبات2008
الخميس أبريل 17, 2008 11:23 pm من طرف سيف العرب
» قانون الشركات 2008
الخميس أبريل 17, 2008 10:52 pm من طرف سيف العرب
» قانون المنافسة ومنع الاحتكار
الخميس أبريل 17, 2008 10:31 pm من طرف سيف العرب
» القانون رقم 4 للعام 2008 الخاص بالتحكيم
الخميس أبريل 17, 2008 10:23 pm من طرف سيف العرب